الأربعاء، 30 مارس 2016

تحويشة العمر

تحويشة العمر ..

مثل كل الأمهات حين يقدر الله بحكمته على بعضهن ان يواصلن مسيرة الحياة وحدهن .. يوم يفقدن شريك العمر ورفيق الدرب ..
نذرت نفسها لصغارها وعاشت ايامها ولياليها تسقي زهرات عمرها الناعمة من رحيق حياتها وتخبيء احلامها في الحياة من أجل أحلامهم .. حاولت جاهدة أن تسدّ الغياب الكبير لدور الوالد في الأسرة الصغيرة ..جاهدت لتكون اكثر حزما وصرامة حين تستدعي بعض عثرات أبنائها الى الحزم والصرامة .. ولتحافظ على تلك المعادلة الصعبة وذلك الخيط الدقيق في التربية بين الحزم واللين .. شقّ أبناؤها مسيرتهم تحت ظلها الوارف يفيئون اليه كلما كواهم هجير الحياة في الأيام المرمضة فآذا الدفء والأمن والسكينة…  تعلموا..  وصبرت على مشاق تعليمهم .. ثم اكرمها الكريم سبحانه فتقدم تباعا لبناتها الثلاث رجال وثقت في دينهم وخلقهم فزوجتهن .. واجتهدت فاختارت لولديها زوجتين صالحتين كريمتين .. وبدأت رحلة أخرى في حياتها فقد كانت اما لخمسة من الأبناء فاذا هي ام لخمسةعوائل واحفاد لاتقل محبتهم في قلبها ان لم تزد عن محبة والديهم ..
اعتاد ابناؤها زيارتها مجتمعين نهاية كل اسبوع في بيتها العتيق .. وان يزوروها منفردين كلما سنحت لهم الفرص وتيسرت الظروف .. الا ان احد ابنائها الذكور كان الأكثر زيارة لها لا سيما خلال العاميين الماضيين على رغم بعد سكنه وعمله عنها بأكثر من سبعين كيلومتر .. اثارت زياراته المكرورة والصباحية أحيانا في وقت دوامه الريبة في قلبها .. سألته اكثر من مرة والحت في السؤال وكان يجد كل مرة العذر وقليلا ماكان يقنعها به .. ذات مساء طلب منها في الهاتف ان تتجهز لانه يريد ان يخرج معها الى نزهة لتغيير الجو .. حاولت ان تعتذر منه فألح عليها في الطلب .. ولم تجد بدا من الاستجابة .. وصل الى بيتها وترجل من سيارته ليساعدها على الركوب .. جابت السيارات شوارع .. وقطعت احياء حتى وقف امام " فيلا " من دورين .. طلب منها ان تنزل .. سالته بتعجب الى اين .. فألح عليها في النزول .. استجابت .. وكل أسئلة الدنيا تحوم في رأسها .. فتح الباب .. فاذا هي امام بيت مؤثث بالكامل على احدث طراز .. سألته بصرامة هذه المرة .. اين أنا ؟؟
قال ياأمي انتي في بيتك بنيته من أجلك .. هذه تحويشة العمر .. هذا هو المشوار المكرور خلال العاميين الماضيين .. كل اموال الدنيا ياسيدتي لو وضعتها تحت قدميك فلن افي لك بحقك .. هذا ليس جزاؤك .. ابدا .. انه قليل من خيرك وبعض من حقك ولمسة وفاء وحب واجلال لأعظم قلب في الدنيا ..
لم تنطق بكلمة .. جلست عند اقرب مقعد .. لم تجد من كل دعواتها ومفرداتها ماتقوله وعيناها تفيض بالدموع الا بضع كلمات بلهجتها الحجازية المعتّقة .. ياولدي " الله يعطيك إلين يرضيك " كانت تكرر هذه الدعوة الصادقة …

وكانت الدموع سيدة الموقف .

صادق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقولات بقلمي مي مدونة

 مقولات بقلمي – مدوّنة ميّ https://www.maioona.com/byme